فصل: مسألة: إن لم يقرأ المأموم فصلاته صحيحه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

قال‏:‏ الاستحباب أن يقرأ في سكتات الإمام‏,‏ وفيما لا يجهر فيه هذا قول أكثر أهل العلم كان ابن مسعود وابن عمر‏,‏ وهشام بن عامر يقرءون وراء الإمام فيما أسر به وقال ابن الزبير‏:‏ إذا جهر فلا تقرأ وإذا خافت فاقرأ وروى معنى ذلك عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير‏,‏ والحسن والقاسم بن محمد ونافع بن جبير والحكم‏,‏ والزهري وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن‏:‏ للإمام سكتتان فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب إذا دخل في الصلاة‏,‏ وإذا قال‏:‏ ولا الضالين وقال عروة بن الزبير‏:‏ أما أنا فأغتنم من الإمام اثنتين إذا قال‏:‏ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأقرأ عندها‏,‏ وحين يختم السورة فأقرأ قبل أن يركع وقال الثوري وابن عيينة‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ لا يقرأ الإمام بحال لما ذكرنا في المسألة التي قبل هذا ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏فإذا أسررت بقراءتى فاقرءوا‏)‏ رواه الترمذي والدارقطني ولأن عموم الأخبار يقتضي القراءة في حق كل مصل‏,‏ فخصصناها بما ذكرناه من الأدلة وهي مختصة بحال الجهر وفيما عداه يبقى على العموم‏,‏ وتخصيص حالة الجهر بامتناع الناس من القراءة فيها يدل على أنهم كانوا يقرءون في غيرها قال الإمام أحمد -رحمه الله- تعالى في الإمام يقرأ وهو لا يسمع‏:‏ يقرأ قيل له‏:‏ أليس قد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا‏}‏ ‏؟‏ فقال‏:‏ هذا إلى أي شيء يستمع‏؟‏ ويسن له قراءة السورة مع الفاتحة في مواضعها‏.‏

مسألة

قال : فإن لم يفعل فصلاته تامة ؛ لأن من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة وجملة ذلك أن القراءة غير واجبة على المأموم فيما جهر به الإمام ، ولا فيما أسر به . نص عليه أحمد ، في رواية الجماعة . وبذلك قال الزهري ، والثوري ، وابن عيينة ، ومالك ، وأبو حنيفة وإسحاق ، وقال الشافعي ، وداود : يجب ؛ لعموم قوله عليه السلام (لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب) غير أنه خص في حال الجهر بالأمر بالإنصات ، ففيما عداه يبقى على العموم . ولنا ما روى الإمام أحمد ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كان له إمام فإن قراءة الإمام له قراءة ) . ورواه الخلال بإسناده عن ، شعبة ، عن موسى ، مطولا . وأخبرناه أبو الفتح بن البطي في حديث ابن البحتري ، بإسناده عن منصور ، عن موسى ، عن عبد الله بن شداد ، قال : (كان رجل يقرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل رجل يومئ إليه أن لا يقرأ ، فأبى إلا أن يقرأ ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له الرجل : ما لك تقرأ خلف الإمام ؟ فقال : ما لك تنهاني أن أقرأ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان لك إمام يقرأ فإن قراءته لك قراءة). وقد ذكرنا حديث جابر : (إلا وراء الإمام) . وروى الخلال ، والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (يكفيك قراءة الإمام ، خافت أو جهر) ولأن القراءة لو كانت واجبة عليه لم تسقط كبقية أركانها.

فصل

وإذا قرأ بعض الفاتحة في سكتة الإمام ثم قرأ الإمام فأنصت له‏,‏ وقطع قراءته ثم قرأ بقية الفاتحة في السكتة الثانية فظاهر كلام أحمد أن ذلك حسن ولا تنقطع القراءة بسكوته لأنه سكوت مأمور به‏,‏ فلا يكون مبطلا لقراءته ولأنه لو أبطلها ‏"‏ لم يستفد فائدة فإنه لا يقرأ في الثانية زيادة على ما قرأه في الأولى‏.‏

فصل

فإن لم يسمعه لبعد‏,‏ قرأ نص عليه قال الأثرم قيل لأبي عبد الله -رحمه الله- فيوم الجمعة قال‏:‏ إذا لم يسمع قراءة الإمام ونغمته قرأ فإذا سمع فلينصت قيل له‏:‏ فالأطرش‏؟‏ قال لا أدرى فيحتمل أن يشرع في حقه القراءة لأنه لا يسمع فلا يجب عليه الإنصات كالبعيد ويحتمل أن لا يقرأ كي لا يخلط على الإمام‏,‏ فإن سمع همهمته ولم يفهم فقال في رواية الجماعة‏:‏ لا يقرأ ونقل عنه‏,‏ أنه يقرأ إذا سمع الحرف بعد الحرف‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ويسر بالقراءة في الظهر والعصر ويجهر بها في الأوليين من المغرب والعشاء وفي الصبح كلها الجهر في مواضع الجهر‏,‏ والإسرار في مواضع الإسرار لا خلاف في استحبابه والأصل فيه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف‏,‏ فإن جهر في موضع الإسرار أو أسر في موضع الجهر ترك السنة‏,‏ وصحت صلاته إلا أنه إن نسي فجهر في موضع الإسرار ثم ذكر في أثناء القراءة‏,‏ بنى على قراءته وإن أسر في موضع الجهر ففيه روايتان إحداهما يمضى في قراءته والثانية يعود في قراءته على طريق الاختيار‏,‏ لا على طريق الوجوب إنما لم يعد إذا جهر لأنه أتى بزيادة وإن خافت في موضع الجهر أعاد لأنه أخل بصفة مستحبة في القراءة يمكنه أن يأتي بها وفوت على المأمومين سماع القراءة‏.‏

فصل

وهذا الجهر مشروع للإمام‏,‏ ولا يشرع للمأموم بغير اختلاف وذلك لأن المأموم مأمور بالإنصات للإمام والاستماع له بل قد منع من القراءة لأجل ذلك وأما المنفرد فظاهر كلام أحمد أنه مخير وكذلك من فاته بعض الصلاة مع الإمام فقام ليقضيه قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ رجل فاتته ركعة مع الإمام من المغرب أو العشاء‏,‏ فقام ليقضى أيجهر أو يخافت‏؟‏ قال‏:‏ إن شاء جهر وإن شاء خافت ثم قال‏:‏ إنما الجهر للجماعة‏,‏ قلت له‏:‏ وكذلك إذا صلى وحده المغرب والعشاء إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ إنما الجهر للجماعة وكذلك قال طاوس فيمن فاتته بعض الصلاة وهو قول الأوزاعي ولا فرق بين القضاء والأداء وقال الشافعي‏:‏ يسن للمنفرد الجهر لأنه غير مأمور بالإنصات إلى أحد فأشبه الإمام ولنا‏,‏ أنه لا يتحمل القراءة عن غيره فأشبه المأموم في سكتات الإمام ويفارق الإمام‏,‏ فإنه يقصد إسماع المأمومين ويتحمل القراءة عنهم وإلى هذا أشار أحمد في قوله‏:‏ إنما الجهر للجماعة فقد توسط المنفرد بين الإمام والمأموم‏,‏ وفارقهما في كونه لا يقصد إسماع غيره ولا الإنصات له فكان مخيرا بين الحالين‏.‏

فصل

فأما إن قضى الصلاة في جماعة‏,‏ فإن كانت صلاة نهار أسر سواء قضاها في ليل أو نهار لأنها صلاة نهار ولا أعلم في هذا خلافا فإن كانت الفائتة صلاة جهر فقضاها في ليل‏,‏ جهر في ظاهر كلام أحمد لأنها صلاة ليل فعلها ليلا فيجهر فيها كالمؤداة وإن قضاها نهارا‏,‏ فقال أحمد‏:‏ إن شاء لم يجهر فيحتمل الإسرار وهو مذهب الأوزاعي والشافعي لأن صلاة النهار عجماء وهذه صلاة نهار وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في صلاة النهار فارجموه بالبعر‏)‏ رواه أبو حفص‏,‏ بإسناده وهذه قد صارت صلاة نهار ولأنها صلاة مفعولة بالنهار فأشبه الأداء فيه‏,‏ ويحتمل أن يجهر فيها ليكون القضاء على وفق الأداء وهو قول أبي حنيفة‏,‏ وأبي ثور وابن المنذر ولا فرق عند هؤلاء بين المنفرد والإمام وظاهر كلام أحمد أنه مخير بين الأمرين لشبه الصلاة المقضية بالحالين‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويقرأ في الصبح بطوال المفصل‏,‏ وفي الظهر في الركعة الأولى‏:‏ بنحو الثلاثين آية وفي الثانية بأيسر من ذلك وفي العصر على النصف من ذلك‏,‏ وفي المغرب بسور آخر المفصل وفي العشاء الآخرة ‏"‏ والشمس وضحاها ‏"‏ وما أشبهها‏]‏ وجملة ذلك‏,‏ أن قراءة السورة بعد الفاتحة مسنونة في الركعتين من كل صلاة لا نعلم في هذا خلافا ويستحب أن يكون على الصفة التي بين الخرقي اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم- واتباعا لسنته ففي حديث أبي برزة ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الغداة بالستين إلى المائة‏)‏ متفق عليه وعن جابر بن سمرة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الفجر ب ‏{‏ق والقرآن المجيد‏}‏ ونحوها فكانت صلاته بعد إلى التخفيف‏)‏ وقال قطبة بن مالك‏:‏ ‏(‏سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الفجر ‏{‏والنخل باسقات‏}‏‏)‏ رواهما مسلم وروى النسائي‏,‏ أنه قرأ فيها الروم وروى ابن ماجه عن عبد الله بن السائب قال‏:‏ ‏(‏قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم- في صلاة الصبح بـ المؤمنون فلما أتى على ذكر عيسى أصابته شرقة فركع‏)‏ وروى أبو داود وابن ماجه عن عمرو بن حريث قال‏:‏ ‏(‏كأنى أسمع صوت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في صلاة الغداة ‏{‏فلا أقسم بالخنس ‏.‏ الجوار الكنس‏}‏ فأما صلاة الظهر والعصر فروى مسلم‏,‏ وأبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد - يعنى الخدري - رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالوا‏:‏ تعالوا حتى نقيس قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيما لم يجهر فيه من الصلاة فما اختلف منهم رجلان‏,‏ فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر بقدر ثلاثين آية وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك وقاسوا ذلك في العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر‏)‏ هذا لفظ رواية ابن ماجه ولفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏حزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر ثلاثين آية‏,‏ قدر الم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر وحزرنا قيامه في الأخريين من العصر على النصف من ذلك‏)‏ ولفظ مسلم كذلك ولم يقل قدر ‏{‏الم تنزيل‏}‏‏,‏ وقال‏:‏ والأخريين من العصر على قدر ذلك‏:‏ وعن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الظهر بـ ‏{‏الليل إذا يغشى‏}‏ وفي العصر نحو ذلك‏,‏ وفي الصبح أطول من ذلك‏)‏ وفي حديث‏:‏ ‏(‏كان يقرأ في الظهر بـ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ وفي الصبح أطول من ذلك‏)‏ أخرجهما مسلم وروى أبو داود عن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الظهر والعصر‏:‏ ‏{‏والسماء ذات البروج‏}‏‏,‏ ‏{‏والسماء والطارق‏}‏ وشبههما‏)‏ فأما المغرب والعشاء فروى ابن ماجه عن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الكافرون‏}‏ و ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏‏)‏ وعن البراء ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ في العشاء بالتين والزيتون في السفر‏)‏ متفق عليه وروى مسلم ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ‏:‏ أفتان أنت يا معاذ‏؟‏ ويكفيك أن تقرأ بالشمس وضحاها ‏{‏والضحى ‏.‏ والليل إذا سجى‏}‏ و ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏‏)‏ وكتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل‏,‏ وأقرأ في الظهر بأواسط المفصل واقرأ في المغرب بقصار المفصل رواه أبو حفص بإسناده‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ومهما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك كله أجزأه‏]‏ قد ذكرنا أن قراءة السورة غير واجبة فالتقدير أولى أن لا يجب‏,‏ والأمر في هذا واسع وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أنهم قرءوا بأقل من ذلك وأكثر وثبت ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بالمرسلات‏)‏ وقرأ فيها بالتين والزيتون وعن جبير بن مطعم ‏(‏أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور‏)‏ متفق عليه وقرأ فيها بالأعراف رواه زيد بن ثابت وأخرجه أبو داود وعن رجل من جهينة أنه ‏(‏سمع النبي - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصبح إذا زلزلت في الركعتين كلتيهما فلا أدرى أنسى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أم قرأ ذلك عمدا‏)‏ رواه أبو داود وعنه ‏(‏أنه قرأ في الصبح بالمعوذتين‏)‏ وكان عليه السلام يطيل تارة ويقصر أخرى‏,‏ بحسب الأحوال وروى عنه أنه قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبى فأخفف مخافة أن أشق على أمه ‏)‏‏.‏

فصل

ويستحب أن يطيل الركعة الأولى من كل صلاة ليلحقه القاصد للصلاة وقال الشافعي‏:‏ يكون الأوليان متساويين لحديث أبي سعيد‏:‏ ‏(‏حزرنا قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في الركعتين الأوليين من الظهر قدر الثلاثين آية‏)‏ ولأن الأخريين متساويتان فكذلك الأوليان ووافقنا أبو حنيفة في الصبح خاصة ووافق الشافعي في سائر الصلوات ولنا‏,‏ ما روى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى‏,‏ ويقصر في الثانية ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في العصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين‏,‏ يطول في الأولى ويقصر في الثانية وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويقصر في الثانية‏)‏ متفق عليه وروى أبو داود هذا الحديث‏,‏ وفيه قال‏:‏ ‏"‏ فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى وعن عبد الله بن أبي أوفى‏:‏ ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم‏)‏ وحديث أبي سعيد قد رواه ابن ماجه‏:‏ وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك وهذا أولى لأنه يوافق الأحاديث الصحيحة ثم لو قدرنا التعارض وجب تقديم حديث أبي قتادة لأنه أصح ويتضمن زيادة‏,‏ وهي ضبط التفريق بين الركعتين قال أحمد -رحمه الله- في الإمام يطول في الثانية‏,‏ يعنى أكثر من الأولى‏:‏ يقال له في هذا تعلم وقال أيضا في الإمام يقصر في الأولى ويطول في الآخرة‏:‏ لا ينبغي هذا يقال له‏,‏ ويؤمر‏.‏

فصل

قال أحمد في رواية أبي طالب وإسحاق بن إبراهيم‏:‏ لا بأس بالسورة في ركعتين وذلك لما روى زيد بن ثابت ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما‏)‏ وروى الخلال بإسناده عن عائشة رضي الله عنها ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقسم البقرة في الركعتين‏)‏ وبإسناده عن الزهري قال‏:‏ أخبرنى أنس قال‏:‏ صلى بنا أبو بكر رضي الله عنه صلاة الفجر‏,‏ فافتتح سورة البقرة فقرأ بها في ركعتين فلما سلم قام إليه عمر فقال ما كدت تفرغ حتى تطلع الشمس فقال‏:‏ لو طلعت لألفتنا غير غافلين وقد ‏(‏قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم- بسورة المؤمنون‏,‏ فلما أتى على ذكر عيسى أخذته شرقة فركع‏)‏ ولا بأس أيضا بقراءة بعض السورة في الركعة لما روينا من الأحاديث وهي تتضمن ذلك وقد نص عليه أحمد واحتج بما رواه بإسناده عن ابن أبزى قال صليت خلف عمر‏,‏ فقرأ سورة يوسف حتى إذا بلغ‏:‏ ‏{‏وابيضت عيناه من الحزن‏}‏ وقع عليه البكاء فركع ثم قرأ سورة النجم فسجد فيها ثم قام فقرأ‏:‏ ‏{‏إذا زلزلت‏}‏ ولأنه إذا جاز أن يقتصر على قراءة آية من السورة فهي بعض السورة‏.‏

فصل

وسئل أحمد عن الرجل يقرأ في الركعة بسورة ثم يقوم فيقرأ بها في الركعة الأخرى‏؟‏ فقال‏:‏ وما بأس بذلك‏؟‏ وقد روى النجاد‏,‏ بإسناده عن أبي الحويرث‏:‏ ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى المغرب فقرأ بأم الكتاب وقرأ معها ‏{‏إذا زلزلت‏}‏ ثم قام فقرأ في الثانية بأم القرآن‏,‏ وقرأ ‏{‏إذا زلزلت‏}‏ أيضا‏)‏ ورواه أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقد روينا من حديث البخاري ‏(‏أن رجلا كان يقرأ في كل ركعة ‏{‏قل هو الله أحد‏}‏ فرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فأقره عليه ‏)‏‏.‏

فصل

قال حرب‏:‏ قلت لأحمد الرجل يقرأ على التأليف في الصلاة اليوم سورة وغدا التي تليها ونحوه‏؟‏ قال‏:‏ ليس في هذا شيء إلا أنه روى عن عثمان أنه فعل ذلك في المفصل وحده وقد روي عن أنس قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرءون القرآن من أوله إلى آخره في الفرائض إلا أن أحمد قال هذا حديث منكر وقال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يقرأ في الصلاة حيث ينتهى جزؤه‏؟‏ فقال‏:‏ لا بأس به في الفرائض‏.‏

فصل

قال أحمد‏:‏ لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف قيل له‏:‏ في الفريضة‏؟‏ قال‏:‏ لا لم أسمع فيه شيئا وقال القاضي‏:‏ يكره في الفرض ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ‏,‏ فإن كان حافظا كره أيضا قال وقد سئل أحمد عن الإمامة في المصحف في رمضان‏؟‏ فقال‏:‏ إذا اضطر إلى ذلك نقله على بن سعيد وصالح وابن منصور وحكي عن ابن حامد أن النفل والفرض في الجواز سواء وقال أبو حنيفة تبطل الصلاة به إذا لم يكن حافظا لأنه عمل طويل‏,‏ وقد روى أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف بإسناده عن ابن عباس قال نهانا أمير المؤمنين أن نؤم الناس في المصاحف وأن يؤمنا إلا محتلم‏,‏ وروي عن ابن المسيب والحسن ومجاهد وإبراهيم‏,‏ وسليمان بن حنظلة والربيع كراهة ذلك وعن سعيد‏,‏ والحسن قالا‏:‏ تردد ما معك من القرآن ولا تقرأ في المصحف والدليل على جوازه ما روى أبو بكر الأثرم وابن أبي داود بإسنادهما عن عائشة أنها كانت يؤمها عبد لها في المصحف وسئل الزهري عن رجل يقرأ في رمضان في المصحف فقال‏:‏ كان خيارنا يقرءون في المصاحف وروى ذلك عن عطاء ويحيى الأنصاري وعن الحسن‏,‏ ومحمد في التطوع ولأن ما جاز قراءته ظاهرا جاز نظيره كالحافظ ولا نسلم أن ذلك يحتاج إلى عمل طويل وإن كان كثيرا فهو متصل واختصت الكراهة بمن يحفظ لأنه يشتغل بذلك عن الخشوع في الصلاة والنظر إلى موضع السجود لغير حاجة وكره في الفرض على الإطلاق لأن العادة أنه لا يحتاج إلى ذلك فيها وأبيحت في غير هذين الموضعين لموضع الحاجة إلى سماع القرآن والقيام به والله أعلم‏.‏

مسألة

قال ‏[‏ولا يزيد على قراءة أم الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر‏,‏ وعشاء الآخرة والركعة الأخيرة من المغرب‏]‏ وجملة ذلك أنه لا تسن زيادة القراءة على أم الكتاب في الركعتين غير الأوليين قال ابن سيرين‏:‏ لا أعلمهم يختلفون في أنه يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب وروى ذلك عن ابن مسعود وأبي الدرداء وجابر‏,‏ وأبي هريرة وعائشة رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجى عنهم بإسناده إلا حديث جابر فرواه أحمد وهو قول مالك وأبي حنيفة‏,‏ واختلف قول الشافعي فمرة قال كذلك ومرة قال‏:‏ يقرأ بسورة مع الفاتحة في كل ركعة وروى ذلك عن ابن عمر لما روى الصنابحى قال‏:‏ صليت خلف أبي بكر الصديق المغرب فدنوت منه حتى إن ثيابى تكاد تمس ثيابه فقرأ في الركعة الأخيرة بأم الكتاب‏,‏ وهذه الآية ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا‏}‏ ولنا‏:‏ حديث أبي قتادة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية أحيانا‏)‏ وكتب عمر إلى شريح‏:‏ أن اقرأ في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورة‏,‏ وفي الأخريين بأم الكتاب وما فعله الصديق -رحمه الله- إنما قصد به الدعاء لا القراءة ليكون موافقا لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- وبقية أصحابه ولو قدر أنه قصد بذلك القراءة فليس بموجب ترك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- وفعله ثم قد ذكرنا مذهب عمر وغيره من الصحابة بخلاف هذا فأما إن دعا إنسان في الركعة الآخرة بآية من القرآن مثل ما فعل الصديق فقد روى عن أحمد أنه سئل عن ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ إن شاء قاله‏,‏ ولا ندرى أكان ذلك قراءة من أبي بكر أو دعاء‏؟‏ فهذا يدل على أنه لا بأس بذلك لأنه دعاء في الصلاة فلم يكره كالدعاء في التشهد‏.‏

مسألة

قال ‏[‏ومن كان من الرجال وعليه ما يستر ما بين سرته وركبته أجزأه ذلك‏]‏ وجملة ذلك أن ستر العورة عن النظر بما لا يصف البشرة واجب‏,‏ وشرط لصحة الصلاة وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي وقال بعض أصحاب مالك‏:‏ سترها واجب وليس بشرط لصحة الصلاة وقال بعضهم‏:‏ هي شرط مع الذكر دون السهو احتجوا على أنها ليست شرطا بأن وجوبها لا يختص بالصلاة فلم يكن شرطا‏,‏ كاجتناب الصلاة في الدار المغصوبة ‏.‏

ولنا ما روت عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار‏)‏ رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وقال سلمة بن الأكوع ‏(‏قلت يا رسول الله‏,‏ إني أكون في الصيد في القميص الواحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم وازرره ولو بشوكة‏)‏ حديث حسن وما ذكروه ينتقض بالإيمان والطهارة فإنها تجب لمس المصحف‏,‏ والمسألة ممنوعة قال ابن عبد البر‏:‏ احتج من قال الستر من فرائض الصلاة بالإجماع على إفساد من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به‏,‏ وصلى عريانا قال‏:‏ وهذا أجمعوا عليه كلهم إذا ثبت هذا فالكلام في حد العورة‏,‏ والصالح في المذهب أنها من الرجل ما بين السرة والركبة نص عليه أحمد في رواية جماعة وهو قول مالك‏,‏ والشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء وفيه رواية أخرى أنها الفرجان قال مهنا‏,‏ سألت أحمد ما العورة‏؟‏ قال‏:‏ الفرج والدبر وهذا قول ابن أبي ذئب وداود لما روى أنس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي - صلى الله عليه وسلم-‏)‏ رواه البخاري ‏[‏وقال حديث أنس أسند‏,‏ وحديث جرهد أحوط‏]‏ وروت عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في بيته كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر‏,‏ فأذن له وهو على ذلك ثم استأذن عمر فأذن له وهو على ذلك‏)‏ وهذا يدل على أنه ليس بعورة ولأنه ليس بمخرج للحدث‏,‏ فلم يكن عورة كالساق ووجه الرواية الأولى ما روى الخلال بإسناده‏,‏ والإمام أحمد في ‏[‏مسنده‏]‏ عن جرهد ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رآه قد كشف عن فخذه فقال‏:‏ غط فخذك فإن الفخذ من العورة‏)‏ قال البخاري‏:‏ حديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط وروى الدارقطني ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لعلى‏:‏ لا تكشف فخذك‏,‏ ولا تنظر فخذ حى ولا ميت‏)‏ وهذا صريح في الدلالة فكان أولى وروى أبو بكر‏,‏ بإسناده عن أبي أيوب الأنصاري قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة‏)‏ وروى الدارقطني‏,‏ بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره‏,‏ فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏ما بين سرته وركبته من عورته‏)‏ رواه أبو بكر وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إذا زوج أحدكم خادمه عبده‏,‏ أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة‏)‏ رواه أبو داود وهذه نصوص يتعين تقديمها والأحاديث السابقة تحمل على أن غير الفرجين عورة غير مغلظة‏,‏ والمغلظة هي الفرجان وهذا نص والحر والعبد في هذا سواء لتناول النص لهما جميعا‏.‏

فصل

وليست سرته وركبتاه من عورته نص عليه أحمد في مواضع وهذا قال به مالك‏,‏ والشافعي وقال أبو حنيفة الركبة من العورة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏الركبة من العورة‏)‏ ‏.‏

ولنا ما تقدم من حديث أبي أيوب وعمرو بن شعيب ولأن الركبة حد فلم تكن من العورة كالسرة وحديثهم يرويه أبو الجنوب‏,‏ لا يثبته أهل النقل وقد قبل أبو هريرة سرة الحسن ولو كانت عورة لم يفعلا ذلك‏.‏

فصل

والواجب الستر بما يستر لون البشرة فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه‏,‏ فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه لأن الستر لا يحصل بذلك وإن كان يستر لونها ويصف الخلقة‏,‏ جازت الصلاة لأن هذا لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقا‏.‏

فصل

فإن انكشف من العورة يسير . لم تبطل صلاته . نص عليه أحمد وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي : تبطل لأنه حكم تعلق بالعورة ، فاستوى قليله وكثيره ، كالنظر .

ولنا ما روى أبو داود ، بإسناده عن أيوب ، عن عمرو بن سلمة الجرمي قال : (انطلق أبي وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قومه ، فعلمهم الصلاة ، وقال : يؤمكم أقرؤكم . فكنت أقرأهم فقدموني ، فكنت أؤمهم وعلي بردة لي صفراء صغيرة ، وكنت إذا سجدت انكشفت عني ، فقالت امرأة من النساء : واروا عنا عورة قارئكم .فاشتروا لي قميصا عمانيا ، فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحي به) ورواه أبو داود ، ، والنسائي أيضا ، عن عاصم الأحول ، عن عمرو بن سلمة ، قال : (فكنت أؤمهم في بردة موصلة فيها فتق ، فكنت إذا سجدت فيها خرجت استي) . وهذا ينتشر ولم ينكر ، ولا بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكره ولا أحد من أصحابه ؛ ولأن ما صحت الصلاة مع كثيره حال العذر ، فرق بين قليله وكثيره في غير حال العذر ، كالمشي ، ولأن الاحتراز من اليسير يشق ، فعفي عنه كيسير الدم . إذا ثبت هذا فإن حد الكثير ما فحش في النظر ، ولا فرق في ذلك بين الفرجين وغيرهما . واليسير ما لا يفحش ، والمرجع في ذلك إلى العادة ، إلا أن المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من غيرها ، فيعتبر ذلك في المانع من الصلاة . وقال أبو حنيفة : إن انكشف من المغلظة قدر الدرهم أو من المخففة أقل من ربعها ، لم تبطل الصلاة . وإن كان أكثر ، بطلت . ولنا ، أن هذا شيء لم يرد الشرع بتقديره ، فرجع فيه إلى العرف ، كالكثير من العمل في الصلاة ، والتفرق والإحراز ، والتقدير بالتحكم من غير دليل لا يسوغ .

فصل

فإن انكشفت عورته عن غير عمد فسترها في الحال‏,‏ من غير تطاول الزمان لم تبطل لأنه يسير من الزمان أشبه اليسير في القدر وقال التميمي في ‏"‏ كتابه ‏"‏‏:‏ إن بدت عورته وقتا واستترت وقتا‏,‏ فلا إعادة عليه لحديث عمرو بن سلمة ولم يشترط اليسير ولا بد من اشتراطه لأن الكثير يفحش انكشاف العورة فيه ويمكن التحرز منه‏,‏ فلم يعف عنه كالكثير من القدر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ إذا كان على عاتقه شيء من اللباس وجملة ذلك أنه يجب أن يضع المصلى على عاتقه شيئا من اللباس‏,‏ إن كان قادرا على ذلك وهو قول ابن المنذر وحكي عن أبي جعفر أن الصلاة لا تجزئ من لم يخمر منكبيه وقال أكثر الفقهاء‏:‏ لا يجب ذلك ولا يشترط لصحة الصلاة وبه قال مالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي لأنهما ليسا بعورة فأشبها بقية البدن ولنا‏,‏ ما روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء‏)‏ رواه البخاري‏,‏ ومسلم وأبو داود وابن ماجه‏,‏ وغيرهم وهذا نهى يقتضي التحريم ويقدم على القياس وروى أبو داود عن بريدة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يصلي في لحاف لا يتوشح به وأن يصلي في سراويل ليس عليه رداء‏)‏ ويشترط ذلك لصحة الصلاة في ظاهر المذهب لأنه منهى عن تركه في الصلاة‏,‏ والنهى يقتضي فساد المنهي عنه ولأنها سترة واجبة في الصلاة والإخلال بها يفسدها‏,‏ كستر العورة وذكر القاضي أنه نقل عن أحمد ما يدل على أنه ليس بشرط‏,‏ وأخذه من رواية مثنى بن جامع عن أحمد فيمن صلى وعليه سراويل وثوبه على إحدى عاتقيه‏,‏ والأخرى مكشوفة‏:‏ يكره قيل له‏:‏ يؤمر أن يعيد‏؟‏ فلم ير عليه إعادة وهذا يحتمل أنه لم ير عليه الإعادة لستره بعض المنكبين فاجتزئ بستر أحد العاتقين عن ستر الآخر لامتثاله للفظ الخبر ووجه اشتراط ذلك أنه منهى عن الصلاة مع كشف المنكبين‏,‏ والنهى يقتضي فساد المنهي عنه ولأنها سترة واجبة في الصلاة فالإخلال بها يفسدها كستر العورة‏.‏

فصل

ولا يجب ستر المنكبين جميعهما بل يجزئ ستر بعضهما‏,‏ ويجزئ سترهما بثوب خفيف يصف لون البشرة لأن وجوب سترهما بالحديث ولفظه‏:‏ ‏(‏لا يصلي الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء‏)‏ وهذا يقع على ما يعم المنكبين وما لا يعمهما‏,‏ وقد ذكرنا نص أحمد فيمن صلى وإحدى منكبيه مكشوفة فلم يوجب عليه الإعادة فإن طرح على كتفه حبلا أو خيطا ونحوه فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئه لقوله شيئا من اللباس‏,‏ وهذا لا يسمى لباسا وهو قول القاضي وقال بعض أصحابنا‏:‏ يجزئه لأن هذا شيء فيكون الحديث متناولا له وقد روي عن جابر ‏(‏أنه صلى في ثوب واحد متوشحا به‏,‏ كأنى أنظر إليه كأن على عاتقه ذنب فأرة‏)‏ وعنه قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا لم يجد أحدهم ثوبا ألقى على عاتقه عقالا وصلى والصحيح‏:‏ أنه لا يجزئه لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على عاتقيه‏)‏ من الصحاح ورواه أبو داود ولأن الأمر بوضعه على العاتقين للستر ولا يحصل ذلك بوضع خيط ولا حبل‏,‏ ولا يسمى سترة ولا لباسا وما روى عن جابر لم يصح وما روى عن الصحابة إن صح عنهم فلعدم ما سواه‏,‏ والله أعلم‏.‏

فصل

ولم يفرق الخرقي بين الفرض والنفل لأن الخبر عام فيهما ولأن ما اشترط للفرض اشترط للنفل كالطهارة ونص أحمد أنه يجزئه في التطوع فإنه قال في رواية حنبل إنه يجزئه أن يأتزر بالثوب الواحد‏,‏ ليس على عاتقه منه شيء في التطوع لأن النافلة مبناها على التخفيف ولذلك يسامح فيه بهذا المقدار واستدل أبو بكر على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا كان الثوب ضيقا فاشدده على حقوك‏)‏ قال‏:‏ هذا في التطوع وحديث أبي هريرة في الفرض‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ومن كان عليه ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك وجملة ذلك أن الكلام في اللباس في أربعة فصول‏:‏

الفصل الأول‏:‏

فيما يجزئ في الصلاة والثاني‏:‏ في الفضيلة والثالث‏:‏ فيما يكره والرابع‏:‏ فيما يحرم‏.‏

فصل

أما الأول فإنه يجزئ ثوب واحد يستر عورته‏,‏ وبعضه أو غيره على عاتقه متفق عليه وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإذا كان ضيقا فاتزر به‏)‏ رواه البخاري‏,‏ وغيره وعن أبي هريرة رضي الله عنه ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سئل عن الصلاة في ثوب واحد‏؟‏ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أولكلكم ثوبان‏؟‏‏)‏ رواه مسلم ومالك في موطئه وصلى جابر في قميص ليس عليه رداء فلما انصرف قال‏:‏ إني ‏(‏رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي في قميص‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

الفصل الثاني‏:‏

في الفضيلة‏,‏ وهو أن يصلي في ثوبين أو أكثر فإنه إذا أبلغ في الستر لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ إذا أوسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص‏,‏ في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص‏,‏ في سراويل وقباء في تبان وقميص وروى أبو داود عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أو قال‏:‏ قال عمر‏:‏ ‏(‏إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به‏,‏ ولا يشتمل اشتمال اليهود‏)‏ قال التميمي‏:‏ الثوب الواحد يجزئ والثوبان أحسن والأربع أكمل قميص وسراويل وعمامة وإزار وروى ابن عبد البر عن ابن عمر أنه رأى نافعا يصلي في ثوب واحد‏,‏ قال‏:‏ ألم تكتس ثوبين‏؟‏ قلت‏:‏ بلى قال‏:‏ فلو أرسلت في الدار أكنت تذهب في ثوب واحد‏؟‏ قلت لا قال‏:‏ فالله أحق أن تتزين له أو الناس‏؟‏ قلت‏:‏ بل الله وقال القاضي‏:‏ وذلك في الإمام آكد منه في غيره لأنه بين يدي المأمومين وتتعلق صلاتهم بصلاته فإن لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص أولى لأنه أعم في الستر‏,‏ فإنه يستر جميع الجسد إلا الرأس والرجلين ثم الرداء لأنه يليه في الستر ثم المئزر أو السراويل ولا يجزئ من ذلك كله إلا ما ستر العورة عن غيره وعن نفسه‏,‏ فلو صلى في قميص واسع الجيب بحيث لو ركع أو سجد رأى عورته أو كانت بحيث يراها لم تصح صلاته‏,‏ ودل على ذلك حديث ‏(‏سلمة بن الأكوع أنه قال للنبى - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ أصلى في القميص الواحد‏؟‏ قال‏:‏ نعم وازرره ولو بشوكة‏)‏ قال الأثرم‏:‏ سئل أحمد عن الرجل يصلي في القميص الواحد غير مزرور عليه‏؟‏ قال‏:‏ ينبغي أن يزره قيل له‏:‏ فإن كانت لحيته تغطيه ولم يكن متسع الجيب‏؟‏ قال‏:‏ إن كان يسيرا فجائز فعلى هذا متى ظهرت عورته له أو لغيره فسدت صلاته فإن لم تظهر لكون جيب القميص ضيقا‏,‏ أو شد وسطه بمئزر أو حبل فوق الثوب أو كان ذا لحية تسد الجيب فتمنع الرؤية أو شد إزاره‏,‏ أو ألقى على جيبه رداء أو خرقة فاستترت عورته أجزأه ذلك وهذا مذهب الشافعي‏.‏

الفصل الثالث‏:‏

فيما يكره يكره اشتمال الصماء لما روى البخاري‏,‏ عن أبي هريرة وأبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه ‏(‏نهى عن لبستين‏:‏ اشتمال الصماء‏,‏ وأن يحتبى الرجل بثوب ليس بين فرجه وبين السماء شيء‏)‏ واختلف في تفسير اشتمال الصماء فقال بعض أصحابنا‏:‏ هو أن يضطبع بالثوب ليس عليه غيره ومعنى‏,‏ الاضطباع‏:‏ أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن ويجعل طرفيه على منكبه الأيسر ويبقى منكبه الأيمن مكشوفا‏,‏ وروى حنبل عن أحمد في اشتمال الصماء‏:‏ أن يضطبع الرجل بالثوب ولا إزار عليه فيبدو منه شقه وعورته أما إن كان عليه إزار فتلك لبسة المحرم‏,‏ فلو كان لا يجزئه لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم- وروى أبو بكر بإسناده عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يلبس الرجل ثوبا واحدا‏,‏ يأخذ بجوانبه عن منكبه فيدعى تلك الصماء‏)‏ وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ هو أن يلتحف بالثوب ثم يخرج يديه من قبل صدره‏,‏ فتبدو عورته وقال أبو عبيد اشتمال الصماء عند العرب‏:‏ أن يشتمل الرجل بثوبه يجلل به جسده كله‏,‏ ولا يرفع منه جانبا يخرج منه يده كأنه يذهب به إلى أنه لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه فلا يقدر عليه وتفسير الفقهاء أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه‏,‏ فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه والفقهاء أعلم بالتأويل فعلى هذا التفسير يكون النهى للتحريم‏,‏ وتفسد الصلاة معه ويكره السدل وهو أن يلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ولا يضم الطرفين بيديه وكره السدل ابن مسعود‏,‏ والنخعي والثوري والشافعي‏,‏ ومجاهد وعطاء وروي عن جابر وابن عمر الرخصة فيه وعن مكحول‏,‏ والزهري وعبيد الله بن الحسن بن الحصين أنهم فعلوه وعن الحسن‏,‏ وابن سيرين أنهما كانا يسدلان فوق قميصهما وقال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم فيه حديثا يثبت وقد روي عن أبي هريرة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطى الرجل فاه‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ من طريق عطاء ثم روى عن ابن جريج أنه قال‏:‏ أكثر ما رأيت عطاء يصلي سادلا ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر برفع الإزار فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حرم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه‏)‏ متفق عليه وروى أبو داود عن ابن مسعود قال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله جل ذكره في حل ولا حرام‏)‏ ويكره أن يغطى الرجل وجهه أو فمه لما ذكرنا من حديث أبي هريرة‏:‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏نهى عن السدل في الصلاة‏,‏ وأن يغطى الرجل فاه‏)‏ وهل يكره التلثم على الأنف‏؟‏ على روايتين‏:‏ إحداهما يكره لأن ابن عمر كرهه والأخرى لا يكره لأن تخصيص الفم بالنهى عن تغطيته تدل على إباحة تغطية غيره‏.‏

وتكره الصلاة في الثوب المزعفر للرجل‏,‏ وكذلك المعصفر لأن البخاري ومسلما رويا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏نهى الرجل عن التزعفر‏)‏ وروى مسلم عن على رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏نهانى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن لباس المعصفر‏)‏ وقال عبد الله بن عمرو‏:‏ ‏(‏رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- على ثوبين معصفرين‏,‏ فقال‏:‏ إن هذا من ثياب الكفار فلا تلبسهما‏)‏ وروى أبو بكر بإسناده عن عمران بن الحصين ‏(‏أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ لا أركب الأرجوان ولا ألبس المعصفر ‏)‏‏.‏

فأما شد الوسط في الصلاة‏,‏ فإن كان بمنطقة أو مئزر أو ثوب أو شد قباء فلا يكره رواية واحدة‏,‏ قال أبو طالب‏:‏ سألت أحمد عن الرجل يصلي وعليه قميص يأتزر بالمنديل فوقه‏؟‏ قال‏:‏ نعم فعل ذلك ابن عمر وإن كان بخيط أو حبل مع سرته وفوقها فهل يكره‏؟‏ على روايتين إحداهما يكره لما فيه من التشبه بأهل الكتاب‏,‏ وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بهم وقال‏:‏ ‏(‏لا تشتملوا اشتمال اليهود‏)‏ رواه أبو داود والرواية الأخرى قال أحمد‏:‏ لا بأس‏,‏ أليس قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم‏)‏ وقال على بن سعيد سألت أحمد عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم‏)‏ قال‏:‏ كأنه من شد الوسط وروى الخلال بإسناده عن الشعبي قال‏:‏ كان يقال‏,‏ شد حقوك في الصلاة ولو بعقال ‏"‏ وعن يزيد بن الأصم مثله‏.‏

وأما الصلاة في الثوب الأحمر فقال أصحابنا‏:‏ يكره للرجال لبسه والصلاة فيه وقد اشترى عمر ثوبا‏,‏ فرأى فيه خيطا أحمر فرده وقد روى أبو جحيفة قال‏:‏ ‏(‏خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- في حلة حمراء ثم ركزت له عنزة‏,‏ فتقدم وصلى الظهر‏)‏ وقال البراء‏:‏ ‏(‏ما رأيت من ذى لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏)‏ متفق عليهما وروى أبو داود عن هلال بن عامر قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخطب على بغلة وعليه برد أحمر‏,‏ وعلى أمامه يعبر عنه‏)‏ ووجه كراهة ذلك ما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ ‏(‏دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم- رجل عليه بردان أحمران فسلم‏,‏ فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم-‏)‏ وبإسناده عن رافع بن خديج قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سفر فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على رواحلنا أكسية فيها خيوط عهن حمر فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ألا أرى هذه الحمرة قد علتكم فقمنا سراعا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى نفر بعض إبلنا فأخذنا الأكسية‏,‏ فنزعناها عنها‏)‏ والأحاديث الأول أثبت وأبين في الحكم فإن ترك النبي - صلى الله عليه وسلم- لرد السلام عليه يحتمل أن يكون لمعنى غير الحمرة ويحتمل أنها كانت معصفرة‏,‏ وهو مكروه وحديث رافع يرويه عنه رجل مجهول ولأن الحمرة لون‏,‏ فهي كسائر الألوان‏.‏

فصل

وقد روى أبو داود عن أبي رمثة قال‏:‏ ‏(‏انطلقت مع أبي نحو النبي - صلى الله عليه وسلم- فرأيت عليه بردين أخضرين‏)‏ وبإسناده عن قتادة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏قلنا لأنس‏:‏ أي اللباس كان أحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-‏؟‏ قال الحبرة‏)‏ متفق عليه وبإسناده عن ابن عمر ‏(‏أنه قيل له‏:‏ لم تصبغ بالصفرة‏؟‏ فقال‏:‏ إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه منها وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته‏)‏ وبإسناده عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم‏,‏ وكفنوا فيها موتاكم ‏)‏‏.‏

الفصل الرابع‏:‏

فيما يحرم لبسه والصلاة فيه وهو قسمان قسم تحريمه عام في الرجال والنساء وقسم يختص تحريمه بالرجال فالأول‏,‏ ما يعم تحريمه وهو نوعان‏:‏ أحدهما النجس لا تصح الصلاة فيه‏,‏ ولا عليه لأن الطهارة من النجاسة شرط وقد فاتت والثاني المغصوب‏,‏ لا يحل لبسه ولا الصلاة فيه وهل تصح الصلاة فيه‏؟‏ على روايتين إحداهما لا تصح والثانية تصح‏,‏ وهو قول أبي حنيفة والشافعي لأن التحريم لا يختص الصلاة ولا النهى يعود إليها‏,‏ فلم يمنع الصحة كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب وكما لو صلى وعليه عمامة مغصوبة ووجه الرواية الأولى‏,‏ أنه استعمل في شرط العبادة ما يحرم عليه استعماله فلم تصح كما لو صلى في ثوب نجس‏,‏ ولأن الصلاة قربة وطاعة وهو منهى عنها على هذا الوجه فكيف يتقرب بما هو عاص به‏,‏ أو يؤمر بما هو منهى عنه على هذا الوجه وأما إذا صلى في عمامة مغصوبة أو في يده خاتم من ذهب فإن الصلاة تصح لأن النهى لا يعود إلى شرط الصلاة‏,‏ إذ العمامة ليست شرطا فيها وإن صلى في دار مغصوبة فالخلاف فيها كالخلاف في الثوب المغصوب إلا أن أحمد قال في الجمعة‏:‏ يصلي في مواضع الغصب لأنها تختص بموضع معين‏,‏ فالمنع من الصلاة فيه إذا كان غصبا يفضي إلى تعطيلها فلذلك أجاز فعلها فيه كما أجاز صلاة الجمعة خلف الخوارج وأهل البدع والفجور كي لا يفضي إلى تعطيلها القسم الثاني‏,‏ ما يختص تحريمه بالرجال دون النساء وهو الحرير والمنسوج بالذهب‏,‏ والمموه به فهو حرام لبسه وافتراشه في الصلاة وغيرها لما روى أبو موسى‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏حرام لباس الحرير والذهب على ذكور أمتى وأحل لإناثهم‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي‏,‏ وقال‏:‏ حديث حسن صحيح وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تلبسوا الحرير فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة‏)‏ متفق عليه ولا نعلم في تحريم لبس ذلك على الرجال اختلافا إلا لعارض أو عذر‏,‏ قال ابن عبد البر‏:‏ هذا إجماع فإن صلى فيه فالحكم فيه كالصلاة في الثوب المغصوب على ما بيناه من الخلاف والروايتين والافتراش كاللبس في التحريم لما روى البخاري عن حذيفة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وأن نلبس الحرير والديباج‏,‏ وأن نجلس عليه ‏)‏‏.‏

فصل

ويباح العلم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون ؛ لما روي عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه أنه قال : (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع) رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وفي التنبيه . يباح وإن كان مذهبا ، وكذلك القول في الرقاع ، ولبنة الجيب ، وسجف الفراء وغيرها ؛ لأنه داخل فيما تناوله الحديث . فصل : فإن لبس الحرير للقمل أو الحكة أو المرض ينفعه لبس الحرير جاز ، في إحدى الروايتين ؛ لأن أنسا روى (أن عبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما ) وفي رواية : شكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قمص الحرير ، ورأيته عليهما . متفق عليه . وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره ، ما لم يقم دليل التخصيص ، وغير القمل الذي ينفع فيه لبس الحرير في معناه . فيقاس عليه . والرواية الأخرى ، لا يباح لبسه للمرض ؛ لاحتمال أن تكون الرخصة خاصة لهما ، وهو قول مالك والأول أصح ؛ إن شاء الله تعالى ؛ لأن تخصيص الرخصة بها على خلاف الأصل . فأما لبسه للحرب ، فإن كان به حاجة إليه ، كأن كان بطانة لبيضة أو درع ونحوه ، أبيح . قال بعض أصحابنا : يجوز مثل ذلك من الذهب ؛ كدرع مموه بالذهب ، وهو لا يستغني عن لبسه ، وهو محتاج إليه . وإن لم يكن به حاجة إليه ، فعلى وجهين : أحدهما يباح لأن المنع من لبسه للخيلاء ، وكسر قلوب الفقراء ، والخيلاء في وقت الحرب غير مذموم قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى بعض أصحابه يمشي بين الصفين يختال في مشيته : (إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن) . والثاني ، يحرم ؛ لعموم الخبر . وظاهر كلام أحمد ، رحمه الله ، إباحته مطلقا ، وهو قول عطاء ، قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الحرير في الحرب ؟ فقال : أرجو أن لا يكون به بأس . وروى الأثرم بإسناده عن عروة ، أنه كان له يلمق من ديباج ، بطانته سندس ، محشو قزا ، كان يلبسه في الحرب.

فصل

فأما المنسوج من الحرير وغيره كثوب منسوج من قطن وإبريسم أو قطن وكتان فالحكم للأغلب منهما لأن الأول مستهلك فيه‏,‏ فهو كالبيضة من الفضة والعلم من الحرير وقد روي عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الثوب المصمت من الحرير وأما العلم‏,‏ وسدى الثوب فليس به بأس‏)‏ رواه الأثرم بإسناده وأبو داود قال ابن عبد البر مذهب ابن عباس وجماعة من أهل العلم أن المحرم الحرير الصافي‏,‏ الذي لا يخالطه غيره فإن كان الأقل الحرير فهو مباح وإن كان القطن فهو محرم فإن استويا ففي تحريمه وإباحته وجهان وهذا مذهب الشافعي قال ابن عقيل الأشبه التحريم‏,‏ لأن النصف كثير فأما الجباب المحشوة من إبريسم فقال القاضي‏:‏ لا يحرم وهو مذهب الشافعي‏,‏ لعدم الخيلاء فيه ويحتمل التحريم لعموم الخبر وهكذا الفرش المحشوة بالحرير‏.‏

فصل

فأما الثياب التي عليها تصاوير الحيوانات فقال ابن عقيل يكره لبسها وليس بمحرم وقال أبو الخطاب هو محرم لأن أبا طلحة قال‏:‏ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ ‏(‏لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة‏)‏ متفق عليه وحجة من لم يره محرما أن زيد بن خالد رواه عن أبي طلحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وقال في آخره‏:‏ ‏(‏إلا رقما في ثوب‏)‏ متفق عليه لأنه يباح إذا كان مفروشا أو يتكئ عليه‏,‏ فكذلك إذا كان ملبوسا‏.‏

فصل

ويكره التصليب في الثوب لأن عمران بن حطان روى عن عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏كان لا يترك في بيته شيئا فيه تصليب إلا قضبه‏)‏ رواه أبو داود يعنى قطعه‏.‏

فصل

قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد الله يسأل عن لبس الخز‏؟‏ فلم ير به بأسا وروى الأثرم بإسناده عن عمران بن حصين وأنس بن مالك‏,‏ والحسن بن على وأبي هريرة وقيس‏,‏ ومحمد بن الحنفية وغيلان بن جرير وشبيل بن عوف‏,‏ أنهم لبسوا مطارف الخز وبإسناده عن قتادة أن أنس بن مالك وعائذ بن عمرو‏,‏ وعمران بن حصين وأبا هريرة وابن عباس‏,‏ وأبا قتادة كانوا يلبسون الخز وبإسناده عن عبد الرحمن بن عوف والحسين بن علي‏,‏ وعبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة والقاسم بن محمد أنهم لبسوا جباب الخز وبإسناده عن أنس بن مالك‏,‏ وشريح أنهم لبسوا برانس الخز وبإسناده عن عمار بن أبي عمار‏,‏ قال‏:‏ أتت مروان مطارف من خز فكساها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكسا أبا هريرة مطرفا من خز أغبر فكان يلبسه اثنان بسعته وهذا اشتهر فلم يظهر بخلافه‏,‏ فكان إجماعا وروى أبو بكر بإسناده عن أحمد بن عبد الرحمن الرازى حدثنا أبي‏,‏ قال‏:‏ أخبرنى أبي عبد الله بن سعيد عن أبيه سعيد قال‏:‏ ‏(‏رأيت رجلا ببخارى على بغلة بيضاء‏,‏ عليه عمامة خز سوداء فقال‏:‏ كسانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏)‏ رواه أبو داود وروى مالك في موطئه أن عائشة كست عبد الله بن الزبير مطرف خز كانت تلبسه‏.‏

فصل

وهل يجوز لولى الصبى أن يلبسه الحرير‏؟‏ فيه وجهان أشبههما بالصواب تحريمه لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏حرم لباس الحرير على ذكور أمتي‏,‏ وأحل لإناثهم‏)‏ وروى أبو داود بإسناده عن جابر قال‏:‏ كنا ننزعه عن الغلمان‏,‏ ونتركه على الجوارى وقدم حذيفة من سفر وعلى صبيانه قمص من حرير فمزقها على الصبيان‏,‏ وتركها على الجوارى أخرجه الأثرم وروى أيضا عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ كنت رابع أربعة أو خامس خمسة‏,‏ مع عبد الله فجاء ابن له صغير عليه قمص من حرير فدعاه‏,‏ فقال له‏:‏ من كساك هذا‏؟‏ قال‏:‏ أمى فأخذه عبد الله فشقه والوجه الآخر ذكره أصحابنا أنه يباح لأنهم غير مكلفين‏,‏ فلا يتعلق التحريم بلبسهم كما لو ألبسه دابة ولأنهم محل للزينة فأشبهوا النساء والأول أصح لظاهر الحديث‏,‏ وفعل الصحابة ويتعلق التحريم بتمكينهم من المحرمات كتمكينهم من شرب الخمر وأكل الربا وغيرهما‏,‏ وكونهم محل الزينة - مع تحريم الاستمتاع بهم - يقتضي التحريم لا الإباحة بخلاف النساء والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ومن لم يقدر على ستر العورة صلى جالسا يومئ إيماء وجملة ذلك‏,‏ أن العادم للسترة الأولى له أن يصلي قاعدا وروى ذلك عن ابن عمر وقال به عطاء وعكرمة وقتادة‏,‏ والأوزاعي وأصحاب الرأي ويومئ بالركوع والسجود وهذا مذهب أبي حنيفة وقال مجاهد ومالك‏,‏ والشافعي وابن المنذر يصلي قائما بركوع وسجود لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏صل قائما فإن لم تستطع فجالسا‏)‏ رواه البخاري ولأنه مستطيع للقيام من غير ضرر‏,‏ فلم يجز تركه له كالقادر على الستر ‏.‏

ولنا ما روى الخلال بإسناده عن ابن عمر في قوم انكسرت بهم مراكبهم‏,‏ فخرجوا عراة قال‏:‏ يصلون جلوسا يومئون إيماء برءوسهم ولم ينقل خلافه‏,‏ ولأن الستر آكد من القيام بدليل أمرين‏:‏ أحدهما أنه يسقط مع القدرة بحال والقيام يسقط في النافلة والثاني أن القيام يختص الصلاة‏,‏ والستر يجب فيها وفي غيرها فإذا لم يكن بد من ترك أحدهما فترك أخفهما أولى من ترك آكدهما ولأنه إذا استتر أتى ببدل عن القيام والركوع والسجود‏,‏ والستر لا بدل له والحديث محمول على حال لا تتضمن ترك السترة فإن قيل‏:‏ فالستر لا يحصل كله وإنما يحصل بعضه فلا يفى بترك القيام قلنا‏:‏ إذا قلنا العورة الفرجان فقد حصل الستر وإن قلنا‏:‏ العورة ما بين السرة والركبة فقد حصل ستر آكدها وجوبا في الستر‏,‏ وأفحشها في النظر فكان ستره أولى وإذا ثبت هذا فليس على من صلى في هذه الحال إعادة لأنه شرط من شرائط الصلاة عجز عنه فسقط‏,‏ كما لو عجز عن استقبال القبلة فصلى إلى غيرها وإن صلى العريان قائما وركع وسجد صحت صلاته أيضا في ظاهر كلام أحمد -رحمه الله- وهو قول أصحاب الرأي وقال ابن جريج‏:‏ يتخيرون بين الصلاة قياما وقعودا وقد روي عن أبي عبد الله -رحمه الله- ‏,‏ ما يدل على أنهم يصلون قياما وقعودا فإنه قد قال في العراة‏:‏ يقوم إمامهم في وسطهم وروى عنه الأثرم إن توارى بعضهم ببعض فصلوا قياما فهذا لا بأس به قيل له‏:‏ فيومئون أو يسجدون‏؟‏ قال‏:‏ سبحان الله‏,‏ السجود لا بد منه فهذا يدل على أنه لا يومئ بالسجود في حال وأن الأفضل في الخلوة القيام إلا أن الخلال قال‏:‏ هذا توهم من الأثرم قال‏:‏ ومعنى قول أحمد‏:‏ يقوم وسطهم أي يكون وسطهم‏,‏ لم يرد به حقيقة القيام وعلى كل حال فينبغي لمن صلى عريانا أن يضم بعضه إلى بعض ويستر ما أمكن ستره قيل لأبي عبد الله‏:‏ يتربعون أو يتضامون‏؟‏ قال‏:‏ لا بل يتضامون وإذا قلنا‏:‏ يسجدون بالأرض فإنهم يتضامون أيضا وعن أحمد‏:‏ أنه يتربع موضع القيام والأول أولى‏.‏

فصل

وإذا وجد العريان جلدا طاهرا أو ورقا يمكنه خصفه عليه‏,‏ أو حشيشا يمكنه أن يربطه عليه فيستر به لزمه ذلك لأنه قادر على ستر عورته بطاهر لا يضره فلزمه كما لو قدر على سترها بثوب وقد ‏(‏ستر النبي - صلى الله عليه وسلم- رجلى مصعب بن عمير بالإذخر‏)‏ لما لم يجد سترة فإن وجد طينا يطلى به جسده فظاهر كلام أحمد‏,‏ أنه لا يلزمه ذلك وذلك لأنه يجف ويتناثر عند الركوع والسجود ولأن فيه مشقة شديدة ولم تجر به العادة واختار ابن عقيل أنه يلزمه لأنه يستر جسده وما تناثر سقط حكمه‏,‏ ويستتر بما بقي منه وهو قول بعض الشافعية والأولى أنه لا يلزمه ذلك لأن عليه فيه مشقة ويلحقه به ضرر‏,‏ ولا يحصل له كمال الستر فإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدرا‏,‏ لأن للماء سكانا ولا يتمكن فيه من السجود وكذلك لو وجد حفرة لم يلزمه النزول فيها لأنها لا تلصق بجلده‏,‏ فهي كالجدار وإن وجد سترة تضر بجسمه كبارية القصب ونحوها مما يدخل في جسمه لم يلزمه الاستتار بها‏,‏ لما فيه من الضرر والمنع من إكمال الركوع والسجود‏.‏

فصل

وإذا بذل له سترة لزمه قبولها إذا كانت عارية لأنه قدر على ستر العورة بما لا ضرر فيه وإن وهب له لم يلزمه قبوله لأن عليه فيه منة ويحتمل أن يلزمه ذلك لأن العار في بقاء عورته مكشوفة أكبر من الضرر في المنة التي تلحقه وإن وجد من يبيعه ثوبا بثمن مثله أو يؤجره بأجرة مثله أو زيادة يتغابن الناس بمثلها‏,‏ وقدر على ذلك العوض لزمه قبوله وإن كانت كثيرة لا يتغابن الناس بمثلها‏,‏ لم يلزمه كما قلنا في شراء الماء للوضوء‏.‏

فصل

فإن لم يجد إلا ثوبا نجسا قال أحمد‏:‏ يصلي فيه‏,‏ ولا يصلي عريانا وهو قول مالك والمزني وقال الشافعي وأبو ثور‏:‏ يصلي عريانا‏,‏ ولا يعيد لأنها سترة نجسة فلم تجز له الصلاة فيها كما لو قدر على غيرها وقال أبو حنيفة‏:‏ إن كان جميعه نجسا فهو مخير في الفعلين لأنه لا بد من ترك واجب في كلا الفعلين‏,‏ وفعل واجب فاستويا ولنا أن الستر آكد من إزالة النجاسة على ما قررناه في الصلاة جالسا‏,‏ فكان أولى ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏غط فخذك‏)‏ وهذا عام ولأن السترة متفق على اشتراطها‏,‏ والطهارة من النجاسة مختلف فيها فكان المتفق عليه أولى وما ذكره الشافعي معارض بمثله وهو أنه قدر على ستر عورته‏,‏ فلزمه كما لو وجد ثوبا طاهرا إذا انفرد أنه يصلي فيه فالمنصوص عن أحمد أنه لا يعيد لأن الطهارة من النجاسة شرط قد فاتت وقد نص في من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه أنه لا يعيد فكذا ها هنا وهو مذهب مالك‏,‏ والأوزاعي وهو الصحيح لأنه شرط للصلاة عجز عنه فسقط كالسترة والاستقبال بل أولى‏,‏ فإن السترة آكد بدليل تقديمها على هذا الشرط ثم قد صحت الصلاة وأجزأت عند عدمها‏,‏ فهاهنا أولى فإن لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولا يعيد وإن لم يجد إلا ثوبا مغصوبا صلى عريانا لما في ذلك من حق الآدمي‏,‏ فأشبه ما لو لم يجد ماء يتوضأ به إلا أن يغصبه فإنه يتيمم كذا ها هنا والله أعلم‏.‏

فصل

فإن لم يجد إلا ما يستر عورته أو منكبيه‏,‏ ستر عورته لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به‏)‏ وهذا الثوب ضيق وفي المسند عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أو عن عمر‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏لا يشتمل أحدكم اشتمال اليهود ليتوشح ومن كان له ثوبان فليأتزر وليرتد‏,‏ ومن لم يكن له ثوبان فليتزر ثم ليصل‏)‏ ولأن الستر للعورة واجب متفق على وجوبه متأكد وستر المنكبين فيه من الخلاف والتخفيف ما فيه فلا يجوز تقديمه وقد روي عن أحمد‏,‏ في الرجل يكون عليه الثوب اللطيف لا يبلغ أن يعقده يرى أن يتزر به ويصلى‏؟‏ قال‏:‏ لا أرى ذلك مجزئا عنه وإن كان الثوب لطيفا صلى قاعدا‏,‏ وعقد من ورائه وظاهر هذا أنه قد ستر المنكبين على القيام وستر ما عدا الفرجين‏,‏ ولأنه ذهب إلى أن الحديث في ستر المنكبين أصح منه في ستر الفرجين وأن القيام له بدل وستر المنكبين لا بدل له والصحيح ما ذكرناه أولا لما قدمنا من تأكد ستر العورة والقيام‏,‏ وما روينا من الحديث وهو صريح في هذه المسألة وفيه قصة رواها أبو داود‏,‏ عن جابر قال‏:‏ ‏(‏سرت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعلى بردة ذهبت أخالف بين طرفيها فلم تبلغ لي‏,‏ وكانت لها ذباذب فنكستها ثم خالفت بين طرفيها‏,‏ ثم تواقصت عليها حتى لا تسقط ثم جئت حتى قمت عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأخذ بيدى فأدارنى حتى أقامنى عن يمينه فجاء جبار بن صخر‏,‏ حتى قام عن يساره فأخذنا بيديه جميعا حتى أقامنا خلفه قال‏:‏ وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يرمقنى وأنا لا أشعر‏,‏ ثم فطنت به فأشار إلى أن اتزر بها فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ يا جابر قلت‏:‏ لبيك يا رسول الله قال‏:‏ إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه‏,‏ وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك ‏)‏‏.‏

فصل

فإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر الفرجين لأنهما أفحش وسترهما آكد وهما من العورة بغير خلاف فإن كان لا يكفي إلا أحدهما ستر أيهما شاء واختلف في أولاهما بالستر‏,‏ فقيل‏:‏ الدبر لأنه أفحش لا سيما في الركوع والسجود وقيل‏:‏ القبل لأنه مستقبل به القبلة وليس له ما يستره‏,‏ والدبر مستور بالأليتين‏.‏